14.10.2020
الدكتور دامير محي الدين يدافع عن أول اطروحة دكتوراه بالعلوم الإسلامية في تاريخ روسيا

في الرابع عشر من شهر اكتوبر، وفي جامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، عقد المجلس العلمي جلسةً للدفاع عن أول أطروحة دكتوراه في العلوم الإسلامية بتاريخ روسيا، تقدم بها الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف، السكرتير التنفيذي للمنتدى الإسلامي الدولي، النائب الأول لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الإتحادية، عميد معهد موسكو الإسلامي. والتي كانت بعنوان: "حركة التجديد الإسلامي أواخر القرن العشرين - أوائل القرن الحادي والعشرين: أفكار وآفاق ".  ويعد هذا العمل العلمي، أول أطروحة مقدمة لنيل الدرجة العلمية " دكتوراه في العلوم الإسلامية"، باختصاص (26.00.01 – علم اللاهوت) المعتمد من اللجنة العليا للشهادات التابعة لوزارة التعليم والعلوم في روسيا الاتحادية.

وكان المجلس العلمي المشكل للإستماع إلى الدفاع عن هذه الأطروحة، قد عقد جلسته برئاسة الأستاذ الدكتورميخائيل بيوتروفسكي، أستاذ العلوم التاريخية، عضوالأكاديمية الروسية للعلوم، عميد كلية الدراسات الشرقية بجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، المدير العام للمتحف الحكومي "الارميتاج"، وعضوية كل من: الأستاذ الدكتور نيكولاي دياكوف، أستاذ العلوم التاريخية، بروفسور فخري، رئيس قسم تاريخ بلدان الشرق الأوسط بجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، والأستاذ الدكتور إفيم ريزفان، أستاذ العلوم التاريخية، رئيس قسم الأبحاث العلمية في متحف بطرس الأكبر للأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، والأستاذ الدكتور ليونيد سيوكيانين، أستاذ العلوم القانونية، باحث في قسم نظرية القانون والتخصصات القانونية بكلية الحقوق في الجامعة الوطنية للبحوث "المدرسة العليا للاقتصاد"، والبروفسورماتياس روه، أستاذ بجامعة فريدريش ألكسندر في إرلانجن ونورنبيرغ، ألمانيا. 

كما شارك في حضور هذه الجلسة عدد من أعضاء المجلس العلمي للشهادات عبرتقنية الإتصال المرئي "الفيديو كونفرانس".

أما المستشارالعلمي للأطروحة، فهو الأستاذ الدكتورفيتالي نعومكين، أستاذ العلوم التاريخية، عضوأكاديمية العلوم الروسية، المدير العلمي لمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية.

وقبل بدء مناقشة الأطروحة، أعرب الدكتور ضميرمحي الدينوف، عن شكره وامتنانه للزعيم الروحي لمسلمي روسيا، سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية، على مساندته ودعمه الكبير لعملية البحث العلمي، وإلى الأستاذ الدكتور نيكولاي كروباتشيف رئيس جامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، على مبادرته في احتضان الدفاع عن الأطروحة في هذا الصرح العلمي الكبير، والذي يعد أقدم جامعة في روسيا الاتحادية، وكذلك للأستاذ الدكتور فيتالي نعومكين، المستشار العلمي للأطروحة، والأستاذ الدكتور توفيق كامل إبراهيم.

وحول أهمية هذا العمل العلمي والدوافع التي حفزته على اختيار موضوع البحث المتعلق بحركة التجديد الإسلامي، قال الدكتور محي الدينوف:" إن كل ما يحدث له معنى رمزي عظيم بالنسبة لي، ففي يوم من الأيام، وفي القاعات القديمة بكلية الدراسات الشرقية في جامعة سانت بطرسبرغ الإمبراطورية، والتي كانت مركزاً عالمياً للدراسات الشرقية مشهوداً له، كان يصدح صوت المعلم والمربي والمصلح حسين فايزخانوف، والذي طالما اعتبرت أنه من واجبي ويشرفني أن أواصل عمله، وأن أصبح شبيهاً له إلى حد ما.

فبعد أن تلقى فايزخانوف تعليماً إسلامياً كلاسيكياً  في أفضل المراكز الإسلامية في عصره، وأصبح عالم دين. تمكن من أن يصبح أكاديمياً مستشرقاً: فقد قام بتدريس اللغات الشرقية، وعمل على أكثرالمخطوطات تعقيداً في العصورالوسطى. وكان نهج فايزخانوف النقدي الصارم هو الذي دفعني للجوء إلى دراسة موضوع التجديد. وبحكم اتصاله الدائم مع المفكرين البارزين في عصره، واصل فايزخانوف اتباع النهج الذي سار عليه كل من العلماء: الكورساوي والمرجاني.

وفي وقت لاحق، تسلم هذه "الراية الفكرية" كل من العالمين الإسلاميين الإصلاحيين البارزين في روسيا آنذاك، موسى بيغييف ورضا الدين فخرالدين، الذين دمجوا بشكل إبداعي خط التجديد الوطني مع خط جمال الدين الأفغاني ومحمدعبده. بينما كان زياد الدين كمالي ( 1873- 1942)، والذي تتلمذ على يد محمد عبده في جامعة الأزهر بالقاهرة، آخر هؤلاء العلماء الكبار الذين كانو يمثلون خط التجديد الوطني. وهنا أظهرَ خط التجديد الوطني مرة أخرى انفتاحه الفكري المبدئي، وأبرزَ الطابع الإسلامي العام لمسألة التجديد.

وكان الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف قد كرس أطروحة الدكتوراه ابعنوان "حركة التجديد الإسلامي أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين: أفكار وآفاق"  لدراسة أفكار التجديد عند فضل الرحمن، ومقاربة محمد أركون، والتعددية المنهجية في دراسة الإسلام والنظام النظري عند محمد شحرور، والتأويل الإنساني عند حميد أبو زايد.
وبعد أن استعرض الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف المراحل السابقة لتطورحركة التجديد في الإسلام، بدءً من القرون الأولى للهجرة، قام بدراسة المرحلة الأخيرة في تطور حركة التجديد دراسةً تفصيلية، وهي المرحلة التي يتعاطى معها العلماء ابتداءً من أواسط القرن العشرين إلى يومنا هذا.

وكما ذكر الباحث فقد أطلِقَ على هذه المرحلة من مراحل التجديد في مختلف الأبحاث العلمية، مسميات مختلفة: "الإسلام الليبرالي"، "الإسلام التقدمي"، "الحداثة الجديدة". لكن الباحث يُفضِلُ مصطلح "الحداثة الجديدة" الذي قدمه مؤسس هذه الحركة : فضل الرحمن. "هذا المصطلح يبدو لنا أكثرَ ملاءمةً، لأنه يشير فقط إلى الإرتباط الجيني للتيار موضوع الدراسة بالحركة الكلاسيكية الحداثية، وهذا الإرتباط موجود بالطبع. وفي الوقت نفسه، لا يشيرهذا الإسم إلى أيةِ صلةٍ بأي تيار فكري غربي معين، كما أنه لا يعني الإرتباط الأيديولوجي مع الغرب، وبالتالي فهو لا يضلل من هم من غير المتخصصين ".

ويذكر الباحث،أنه من بين كبار العلماء الذين يمثلون الموجة الأولى لهذه الحركة: فضل الرحمن (1919- 1988)، محمد أركون ( 1928-2010)، نصر حميد أبو زيد (1943-2010)، محمد شحرور(1929-2019)، حسن حنفي (مواليد 1935)، نورخليص مجيد (1939-2005)، وآخرون. بالإضافة إلى أتباعهم، والكتاب الذين حذو حذوهم متأثرين بالأوائل: علي أصغرمهندس (1939-2013)، عبد الكريم سروش (مواليد 1945)، خالد أبو الفضل (مواليد 1963)، عبد الله النعيم (مواليد 1945)، طارق رمضان (مواليد 1962)، أمين ودود (مواليد 1952)، أديس دوديريجا ( مواليد1977).

كما يشير الدكتور ضمير محي الدينوف، إلى أن المجتمع العلمي في الفضاء الروسي، والأمة الناطقة بالروسية يتخذون خطوات أولية فقط باتجاه فهم أعمال المؤلفين المذكورين أعلاه، معرباً عن ثقته في أن الفكرالتجديدي هوالذي سيشكل أجندة الإسلام الفكري في العقود القادمة.
ويحاول الباحث في أطروحته، سد هذه الفجوة من خلال تقديم تحليل نقدي لإبداع الحداثيين الجدد المنحدرين من الموجة الأولى، ومنهم: فضل الرحمن، ومحمد أركون، نصر حميد أبو زيد، ومحمد شحرور. ويقدم برنامجه الخاص للتجديد بناءً على إنجازات الحداثة والمدرسة الإسلامية الوطنية، قائلاً: " لقد استقراختيارنا على المؤلفين الأربعة المذكورين أعلاه لأنهم، في رأينا، يمثلون جوهرالفكرالتجديدي بشكل كامل"

و وفقاً للمؤلف، تكمن أهمية دراسة الحداثة الجديدة والمتمثلة في عدم كفاية المعرفة بتعاليم الحداثيين في الوقت الحالي، وآفاق مثل هذه الدراسات من ناحية المقارنة، وتتبع الروابط بين الفكرالإسلامي من ناحية والدراسات الأكاديمية الشرقية (الدراسات الإسلامية) من ناحية أخرى، وتحديث سياق جديد من المشاكل الرئيسية في فلسفة الدين، وفي موضوعية الأسئلة ذاتها التي طرحها الحداثيون. بالإضافة إلى ذلك، فإن دراسة الحداثة الإسلامية تساهم وبشكل مباشر في إحياء المدرسة الإسلامية الروسية.

ويشير الباحث في أطروحته، إلى أن فكرة التجديد متجذرة بعمق في التقاليد الروحية للإسلام نفسه، وهي في حد ذاتها ليست بالشيء الغريب عن هذه التقاليد بالأساس، مؤكداً على أن الحداثيين الإسلاميين لا يعارضون ما هو تقليدي، بل يدرسون التقليدي، ويحدثونه، ويعملون على تطوير أفضل ما فيه.

وخلال جلسة المناقشة العلنية والدفاع، تم تلاوة التقاريرالعلمية التي أشادت بالبحث وأثنت عليه، والتي كانت قد وردت إلى المجلس العلمي من السادة العلماء المقيمين لهذا العمل العلمي. فقد جاء في تقرير الأستاذ الدكتور نيكولاي دياكوف، رئيس قسم تاريخ بلدان الشرق الأوسط بجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية: "مما لا شك فيه، أن التحليل اللاهوتي لدورالمفاهيم التقليدية والحداثية في العمليات الاجتماعية والسياسية الجارية في العالم الإسلامي اليوم، ذو أهمية وقيمة علمية كبيرة ".

وفي معرض إشارته إلى عدد من الملاحظات الخاصة بالأطروحة، أعرب الأستاذ الدكتور نيكولاي دياكوف عن ثقته في أن هذه الملاحظات ليست ذات طبيعة أساسية، ولا تقلل بأي حال من الأحوال من الأهمية العلمية والنظرية للبحث الأساسي والواسع النطاق الذي أعده الدكتورمحي الدينوف، مضيفاً أن العمل المقدم للدفاع، قد تم تنفيذه على مستوى عال من المهنية، ونتائجه الرئيسية تتجسد في الدراسة المتكاملة والشاملة لتطورحركة التجديد الإسلامي، وحالة هذه الحركة في الوقت الراهن، بالإضافة إلى آفاق تطورها في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.

وعن الجديد الذي احتوت عليه هذه الإطروحة، قال الأستاذ الدكتور نيكولاي دياكوف: "أعتقد أن الجديد في هذه الأطروحة، بالإضافة إلى القيمة العلمية للنتائج التي تم التوصل إليها، تكمن في حقيقة أن الباحث قدم وللمرة الأولى تحليلاً شاملاً لتطور وآفاق حركة التجديد الإسلامي في تاريخ العالم الإسلامي الحديث، ولا سيما في الفكر الديني والاجتماعي للأمة المسلمة في روسيا الجديدة.

بدوره أشارالأستاذ الدكتور إفيم ريزفان، أستاذ العلوم التاريخية، رئيس قسم الأبحاث العلمية في متحف بطرس الأكبر للأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، في معرض حديثة عن اختيار موضوع البحث في الأطروحة، وعمق دراسته التفصيلية، وكذلك أهمية العمل، وحداثته العلمية، أشارإلى أن أحد أهم الشروط المسبقة والمحددة لأهمية دراسة الحداثة الجديدة ترجع أساساً إلى تعقيد الموضوع وتشعبه تخصصاته. ولفهم الموضوع يجب على الباحث أن يتمتع بالكفاءة العلمية في مجالات عدة: عقائد الإسلام الكلاسيكي، والأفكارالاجتماعية والسياسية للحداثة الإسلامية، بالإضافة إلى الفهم المعمق لخصوصية كل منطقة من المناطق الجغرافية (الشرق الأوسط وهندوستان وما إلى ذلك)، وكذلك المعرفة في مناهج وأساليب الفلسفة المقارنة وفلسفة الدين والدراسات الأكاديمية الشرقية. وأضاف: "لابد من التأكيد هنا على أن مؤلف الأطروحة، يعتبر أحد المتخصصين النادرين جداً، الذين تجتمع فيهم هذه الكفاءات. وبطبيعة الحال، تكمن أهمية الموضوع في مدى أهمية الأسئلة التي يطرحها الحداثيون الجدد أنفسهم على العلم والمجتمع، ومما لا شك فيه أن دراسة الحداثة الإسلامية تساهم في إحياء المدرسة الإسلامية الروسية".

أما رئيس المجلس العلمي، الأستاذ الدكتورميخائيل بيوتروفسكي، أستاذ العلوم التاريخية، عضوالأكاديمية الروسية للعلوم، عميد كلية الدراسات الشرقية بجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، المديرالعام للمتحف الحكومي "الارميتاج"، فيعتقد أن أهمية الموضوع ليست واضحة فحسب، بل هي حادة للغاية: "الأمر يتعلق بتكوين عقيدة إسلامية جديدة، تتصدى  لتحديات العصرالذي نعيشه، وتعتبر ردة فعل على تطرف المجتمع، وهي تقوم على الفهم العميق لإنجازات العلوم الإنسانية الحديثة، بما في ذلك الدراسات الأكاديمية الشرقية. ونتيجة لذلك، تظهرمجموعة من المبادئ والأساليب التي تخلق الأساس لحوار الثقافات وتشكيل رؤية إسلامية جديدة للعالم، هذه الرؤية قادرة على إعطاء الإجابة الذكية على أسئلة العالم في زمن العولمة".

بينما رأى الأستاذ الدكتور ليونيد سيوكياينن، أستاذ العلوم القانونية، والباحث في قسم نظرية القانون والتخصصات القانونية بكلية الحقوق في الجامعة الوطنية للبحوث "المدرسة العليا للاقتصاد"، أن الأهمية العملية لموضوع الأطروحة المقدمة للدفاع، تتجلى في حقيقة أن المنهجية التي اقترحها المؤلف لفهم الإسلام في إطار الحداثة الجديدة تقدم مساهمة كبيرة في حل عدد من المشكلات بالغة الأهمية، والمتعلقة: بدورالإسلام في العالم الحديث، والحالة الراهنة للمجتمع المسلم في روسيا، ومهمة التنشئة الاجتماعية للإسلام في روسيا والتي حددها رئيس روسيا الإتحادية، وكذلك إحياء المدرسة الإسلامية الروسية. ولعل مقاربة هذه المشكلات تعتبر مستحيلة دون حدوث تطويرعميق للمنهجية الحديثة في فهم الإسلام، وهو ما كرسته الأطروحة التي قدمها الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف. وختم مداخلته بالقول: " إن الأطروحة المقدمة للدفاع هو عمل علمي كامل ومستقل يتصدى لموضوع علمي هام. وهذا العمل لا يثري الفكرالإسلامي الحديث فحسب، بل ويثري أيضاً الدراسات الإسلامية العلمية".

وخلال جلسة الدفاع، أجاب الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف، على جميع أسئلة أعضاء المجلس العلمي المختص. بعد ذلك، صوت أعضاء المجلس العلمي بالإجماع على منح الباحث الدكتور ضمير محي الدينوف درجة دكتوراه في العلوم الإسلامية.
وبعد الانتهاء من إجراءات التصويت، هنأ الأكاديمي بيوتروفسكي، بصفته رئيساً للمجلس العلمي، جميع الحاضرين بالكلمات التالية: " نهنأ أنفسنا جميعاً بهذا الحدث التاريخي"، إلا وهو الدفاع عن أول  أطروحة دكتوراه بالعلوم الإسلامية في تاريخ روسيا.

وفي كلمته الختامية، وبعد أن حمد الله وأثنى عليه، توجه الدكتور ضمير محي الدينوف بالشكر لكل أعضاء المجلس العلمي، مشيراً إلى أن أعمال علماء المسلمين الأوائل في روسيا، كانت في تسعينيات القرن الماضي بمثابة مصادرعلمية لا تقدربثمن، حيث ساعدت  العديد من الشباب المسلم في روسيا على فهم تقاليدهم الروحية، في ظل الغياب شبه الكامل للكتب والمؤلفات الدينية التي تتحدث عن الإسلام آنذاك.